التحرش الجنسى ضد النساء فى مصر ! عنوان براق ما ان يتوارد الى مسامع البعض حتى يسارعوا بالضجيج "يووووووووووه ، أنتوا كل حاجة تجيبوها على الرجالة ، ماتشوفوا اللبس المنيل اللى البنات بتلبسه الأول !" فهل الأمر على هذه الصورة حقا ؟!
بداية فان المنطق الذى تحمله هذه العبارة يحمل اهانة للرجال بأكثر ما يحمل للنساء ، فهو وان كان يمثل حالة تقليدية من لوم الضحية فانه يصور الرجال باعتبارهم كائنات تفكر بنصفها الأسفل وتقودها غرائزها تلقائيا دون أى ضابط من العقل !
بالاضافة لذلك فان وقائع التحرش لا تحمل نمطا معينا من الارتباط باللبس ، فمن يردد هذا الاتهام يبدو وكأنه " حافظ مش فاهم " فكثيرا من حوادث التحرش - ان لم يكن أغلبها - تكون الضحية فيها ترتدى الحجاب التقليدى ان لم يكن الخمار أو النقاب فى بعض الأحيان !
كما أن الحجة التقليدية الثانية وهى البطالة والكبت والفراغ هى حق يراد به باطل ، فطبيعى أن يؤثر الفراغ والبطالة على تقدير الشاب لذاته ويدفعه للقيام بسلوكيات خاطئة ، ولكن هذا ليس كافيا لتبرير أن تكون المرأة الضحية الأقرب لهذا الوضع ، ويكفى نظرة واحدة على دولة عربية شبيهة بظروفنا وهى تونس التى يبلغ معدل البطالة فيها 14 % ، وترتدى نسائها أزياءا أكثر تحررا بكثير مما هو الحال فى مصر ، ومع ذلك لا توجد معدلات تحرش مقاربة بأى حال لما هو الوضع فى مصر ، بل لاداعى لنسرح بعيدا يكفى لنتذكر الوضع لدينا فى الستينات والسبعينات وكيف كان الزى القصير والمكشوف ولباس البحر مقبولا لدى شرائح واسعة من الطبقة الوسطى ، ولم تكن ظاهرة التحرش موجودة كما هو الحال الآن ، فما هو المتغير الأقوى يا ترى ؟!
المتغير الأقوى هو نظرة المجتمع تجاه المرأة ، فبعد أن كانت النظرة مع فجر الليبرالية المصرية متقبلة لثقافة التحرر والمساواة ، واعتبار المرأة شريكا انسانيا وأصيلا فى المجتمع قبل أن تكون زوجة أو أما ! تأثر المجتمع المصرى بثقافات وافدة وليدة سياقها الاجتماعى الانعزالى لا ترى المرأة الا كسريرة أو خادمة ! وأى وجود لها خارج هذا السياق هو قنبلة موقوتة ! هذه الثقافة الجافة لا علاقة لها بالاسلام الذى نشأ فى رحاب بيئة مدنية كانت المرأة فيها جزءا أصيلا وفعالا فى المجتمع ،
"ازاى نتخلص من فتنة النساء ؟! 1- اجعل بينك وبين النساء سدا منيعا ! لاتكلم امرأة ، ولا تنظر لمرأة ولا تتعامل مع امرأة ! ....خارج من البيت معناها انك هتشوف نسوان لازم ، مرة كنت فى الأتوبيس فوجئت بواحدة قدامى وواحدة ورايا وواحدة على يمينى وواحدة على شمالى ، الأعداء من كل جانب !! "
هذه الثقافة كانت عاملا رئيسيا فى توفير أرضية خصبة تنمو فيها ثقافة العداء للمرأة والحط منها والتى هى مشاعر ذكورية فطرية ان لم يتم التعامل معها بالشكل السليم ، ومع مناخ التنافس فى العمل ، والاحباط والبطالة وتأخر السن الزواج وغيرها من العوامل المساعدة ،تنمو ظاهرة التحرش ، والتى يمكن تقسيمها حسب المكان الذى تجرى فيه كالتالى
1- التحرش فى الأماكن العامة :
وهو أكثر أنواع التحرش شيوعا ، ويتدرج بدءا من التحرش البصرى - ومشهود للمصريين بالاتقان فى هذا الباب - فثقافة تدين النفط المغلوطة تمنح مبررات الاستحلال لكل من تخالف قياسات المظهر المعتمدة لديهم ، فكل زهرة جميلة تكون عرضة لنظرات التحرش الحيوانية والملاحقة التى قد تكون أكثر مضايقة والحاحا من التحرش الجسدى ، وقد يمتد الى ثانى درجات التحرش وأكثرها شيوعا وهو التحرش اللفظى بدءا من المضايقات و التعليقات الاستظرافية مرورا بالأوصاف الجسدية حتى الانتهاك الصريح بالحديث الجنسى المباشر ،
أو قد يتعدى الأمر الى التحرش الجسدى والأكثر تمرسا فى هذه الفعل هم المراهقين من تلاميذ المدارس الاعدادية غالبا والابتدائية أحيانا فى المناطق الشعبية ، ويكون الأمر مباراة للتنافس بينهم أحيانا باللمس الخاطف والجرى وسط ضحكات وتشجيعات الزملاء وصراخ واحراج الضحية ، والأمر ليس قاصرا عليهم فهو يمتد لجميع الأعمار وللمواصلات العامة تاريخ مشهود فى ذلك يعرفه الجميع ، وحتى الملاحقات بالسيارات وسط التعليقات الجنسية ، ونهاية بحوادث التحرش الجماعية التى يتحرك فيها قوافل المراهقين من الأحياء الشعبية فى الأعياد لغزو مناطق وسط البلد وملاحقة المراهقات والتحرش بهن ، وقد كان لحركة التدوين المصرية دورا ايجابيا فى احراج جهاز الشرطة ودفعهم للقيام بواجبهم فى العمل على منع هذه المهازل بالتواجد الأمنى والانتشار الجيد فى الأعياد .
فى كل هذه الحالات يكون التصرف الأغلب من الضحية هو اما الصمت أو الصراخ والبكاء والجرى ، أو اتخاذ موقفا ايجابيا بالتصدى للمعتدى وهنا تظهر ثقافة لوم الضحية أو ثقافة " المطيباتية " ، فيكون مستغربا جدا أن تقف فتاة فى وسط الشارع لتتصدى لرجل يتحرش بها وأذكركم هنا بشهادة نهى رشدى أول فتاة تتصدى للتحرش بها ، وشهادتها عن موقف الشارع وقتها !
"الغريب أن بعضهم حاول مساعدة السائق على ركوب سيارته والهرب!! والبعض الآخر قال لى "طيب إحنا هنخليه يعتذر لك، ولما قلتلهم: يعتذر لى إيه؟ هو داس على رجلى"، ورفضت، صرخوا فىّ وقالوا لى "أمال إنتى عايزة إيه يعنى؟". قلت لهم: "هاخذوه على القسم". وواحد آخر قال لى "أنا مش فاهم إنتى واقفة كده فى وسط الرجالة تعملى إيه؟!". "وحتى الناس فى بلكوناتهم، كانوا واقفين يتفرجوا وبس"."
وهذا سلوك معتاد فى معظم حوادث التحرش !
ولننتقل بالحديث عن ميدان آخر من ميادين التحرش ألا وهو
2- التحرش فى المؤسسات التعليمية والفضاءات الاجتماعية والأماكن الخاصة :
وأعنى هنا التحرش الواقع من المدرسين تجاه التلميذات أو من المدربين تجاه اللاعبات أو من الأقارب والجيران وهو نمط آخر شائع قد يزيدمن تفاقمه غياب المصارحة والعلاقة الوثيقة بين الأسرة وابنتها ، فقد يستمر ويتمادى المتحرش مستغلا السلطة الأبوية الذكورية له كمدرس أو مدرب ، وقد لا تكون المؤسسة هى مكان التحرش بل قد تأخذ أماكن أخرى كبيت المتحرش أو سيارته مستغلا صغر سن الضحية وسلطته عليها واعتقاده بنجاته من العقاب لأنها لن تصارح أهلها أو تشكوه خوفا من المجتمع الذى يستسهل لوم الضحية ، فالرجل مغلوب على أمره ولم يكن ليتجرأ لو لم تشجعه بلبسها أو ضحكاتها ونظراتها وكلامها ! وهوكلام رغم خطأه ونمطيته فهو يوازى بين اللهو وبين الاعتداء ! بل ويجعله مبررا له !
بالاضافة لذلك ، فهمها بلغت مجاراة المرأة فمن حقها التوقف فى أى وقت وأى تمادى بعد ذلك يعد اعتداءا صريحا !
3- التحرش فى أماكن العمل :
وهو أخطر أنواع التحرش فى رأيى اذ يقوم غالبا على الابتزاز ، وعلى ممارسة القهر الوظيفى - والحاجة المادية أحيانا - تجاه الضحية لتصمت على التحرش ، ويتنوع النطاق بدءا من المنشآت الصغيرة التى يعتقد مالكها أنه امتلك العاملات لديه وأن من حقه استغلالهم جنسيا بصورة بسيطة وقد تصمت الضحايا فى أحيان كثيرة من أجل لقمة العيش ، وحتى الشركات والمؤسسات الكبرى التى قد يستغل فيها الطموح الوظيفى من قبل المتحرش وقد تصمت الضحية اما حرصا على مستقبلها الوظيفى أو لأنها تعلم أن أحدا لن ينصفها ، ومن أشهر المجالات التى تعتبر ميدانا للتحرش فى مجال العمل والابتزاز الجنسى هو المجال الفنى ، ولنسمع لشهادة ممثلة صاعدة هى ياسمين رئيس عن هذا الأمر :
"هل محاولة استغلال الفتيات في الوسط من اجل دخول المجال حقيقي ام خيال؟
تصمت قليلا ثم تقول طبعا حقيقي, احنا هنضحك علي نفسنا, اذا نفيت ذلك لن تصدقني, وكل البنات بتتعرض للاحداث دي بس احنا مبنتكلمش لان دائما البنت هي التي تلام في النهاية, وحينما تشكو فيكون الخطا فيها وليس فيمن حاول الاعتداء عليها وهذه في النهاية صفة مجتمعنا, وبصراحة مش عاوزه اتكلم لو فتحت فيه هقول كلام كتير."
ولا يختلف حال هذه الشهادة عن أى مجال آخر فى مصر !
والحل فى رأيى لايقف عند الاصلاح الاجتماعى ومواجهة الثقافات الرجعية ، وانما بتمكين المرأة قانونيا ، بسن قوانين رادعة ضد التحرش والعمل على تنفيذها ، والأهم من ذلك أن تأخذ شكاوى التحرش فى بيئة العمل على درجة عالية من الجدية فى أى محل عمل
، والعمل على فرض عقوبات رادعة تجاه من ينشر ثقافة الكراهية فى المجتمع والتى أحد أوجهها الحط من قيمة المرأة ، وأن نكون جميعا أعلى صوتا وأكثر الحاحا فى نقد كل ثقافة رجعية حتى لو تلبست بالدين ، كذلك العمل على العودة التدريجية عن الفصل بين الجنسين فى المدارس العامة -على الأقل فى المرحلة الاعدادية - ، وعلى تشجيع النساء على مواجهة المتحرش وتشجيع المجتمع على اتخاذ موقف ايجابى ، والمفترض أن تكون الثورة التى كان للمرأة المصرية فيها أعظم دور مدخلا رئيسيا لهذا التغيير ، من أجل فك وتبسيط علاقتنا الملتبسة بالوطن ,, أحبك أكرهك .....
قل لا للتحرش بالنساء
هناك تعليقان (2):
أستغفر الله
الله يهدي الشباب والبنات
natureأمي الله يرحمها ويرحم أمهات المسلمين أجمعين , كانت لما ييجي صديقاتها تمنعنا من دخول مجلسهن وانتشار الثقافة الإسلامية سيقضي على التحرش ,لكن في المقابل ندعو القنوات الإباحية إلى الرفق بالمجتمع وكذلك أخواننا الفنانين في أفلامهم والتليفزيون في مسلسلاته, والشباب عليهم الأخذ بتعاليم دينهم
إرسال تعليق