عندما أقول أن مصر ليست غزة, فليس هذا بسبب اختلاف الإخوان عن حماس إطلاقاً, فمرجعيتهما الواحدة تجعل من طريقة التفكير والتصرفات الخاصة بأتباعهما تكاد تكون متطابقة. لكن السبب الذي يدفعني لهذا الإعتقاد هو اختلاف العوامل الأخرى المحيطة بالمشهدين المصري والفلسطيني. بمعنى أننا لو اردنا المقارنة بين المعادلة المصرية والمعادلة الفلسطينية (في غزة تحديدا) فإن العامل المشترك في كلتا المعادلتين هو العنصر (الإخواني/ الحمساوي), ولكن هناك عناصر أخرى تختلف في كلتا المعادلتين وهذه العناصر هي التي تجعل المحصلة النهائية: مصر لا تساوي غزة.
هذه العناصر هي: الإحتلال المباشر, شرعية التسليح, تأثير الجموع المجتمعية (الغير إخوانية/ الغير حمساوية)
اولا: الإحتلال المباشر
ينبغي أن ندرك جيدا أن وجود إسرائيل كدولة تحتل الأراضي الفلسطينية إحتلالا مباشرا, وككيان معادي نؤمن بضرورة مقاومته بكافة الوسائل يعطي ثقلا وقدرة كبيرة لحركة حماس لكي تظهر وتتصرف كجهة تقود هذه المقاومة, في مقابل مهادنة البديل الآخر (حركة فتح) للمحتل الإسرائيلي وما يشاع عن التعاون الأمني بين الأجهزة الأمنية في الضفة الغربية وبين إسرائيل, وبالتالي فإن أي معارضة محلية للحركة والحزب المقاوٍم (حماس) يتم تفسيرها تلقائيا وكأنها انتماء لحركة (فتح) وهكذا يسهل تخوين وقمع المعارضين لحركة حماس.
غياب عامل الإحتلال المباشر عن المشهد المصري يجعل من تخوين المعارضين وقمعهم أمر غير منطقي بالضرورة لدى جموع الشعب المصري.
ثانيا: شرعية التسليح
كون حماس هي الحزب الفلسطيني المقاوم للإحتلال المباشر بواسطة إسرائيل, فأن المجتمع الفلسطيني يشرعن ويتفهم ويشجع ويطالب بتسليح أعضاء هذا الحزب وبالأخص الذراع العسكرية له (كتائب القسام) ويتعامل المجتمع في غزة مع كتائب القسام باعتبارها الجيش الشرعي للشعب الفلسطيني, ويعتقد دوما أن هذا السلاح سيقوم فقط بدور مقاومة الإحتلال, ولكنه لا يستطيع أن يمنع استخدام هذا السلاح في لحظة ما لقمع المعارضين محليا, كما حدث في أحداث 2007, وفي مواقف تالية لا يتسع المجال لذكرها.
أما في مصر, وبسبب عدم وجود الإحتلال المباشر, فإن المجتمع المصري لا يقبل ولا يتفهم ولا يشرعن وجود السلاح في يد أي جهة بخلاف الجيش الوطني الرسمي وقوات حفظ الأمن في الداخلية.
ثالثا: تأثير الجموع المجتمعية (الغير إخوانية/ الغير حمساوية)
بالرجوع إلى نتائج الانتخابات التشريعية في فلسطين عام 2006, نجد أن حركة حماس قد حصلت على نسبة 60.6% من مقاعد المجلس التشريعي, بينما حصلت حركة فتح على 32.6%, أما الأحزاب اليسارية (الجبهة الشعبية والبديل) فقد حصلت على 3.8% فيما حصل المستقلون فقط على 3% من مقاعد المجلس التشريعي (أي أن الجموع التي لا تنتمي لفتح أو حماس بلغت 6.8%).
على فرض أن التوزيعة الإنتمائية للمنتخبين لم تتغير منذ عام 2006 (والجدير بالذكر أن نسبة التصويت بلغت 77.69% من إجمالي من يحق لهم التصويت), ومع الأخذ بعين الاعتبار أن هذه النسب تشمل الضفة الغربية و قطاع غزة, نستطيع أن نستنتج أن جموع المواطنين الغير منتمين سياسيا لا يمكنهم باي حال من الأحوال تشكيل مجموعة ضاغطة أوحشد عددي كبير لمعارضة حركة حماس في الشارع الغزي, خاصة أن معظم المنتمين لحركة فتح معروفون لدى الجميع, وأن مشاركتهم في أي حركة معارضة لحماس يسهل من مهمة تخوين وتلويث سمعة هذه المعارضة فورا, كما يحدث عند مشاركة فلول الحزب الوطني اليوم في أي تظاهرة معارضة للإخوان المسلمين في مصر.
أما في المشهد المصري, وبالرجوع إلى نتائج الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية المصرية, نجد أن مرشح الإخوان المسلمين حصل على نسبة 24.8%, بينما حصل مرشح النظام السابق على 23.7%, ويبلغ مجموع المرشحين الباقين حوالي 51.5%!
وهكذا, فإننا وبعملية حسابية بسيطة, وأيضا على افتراض أن هذه النسب لم تتغير الآن, فأننا يجب أن ندرك أن المجتمع المصري يزخر بالجموع الغير إخوانية ذات الكثافة العددية وتستطيع أن تشكل حركة فاعلة في الشارع, وهذا ما رأيناه في الجموع الغفيرة التي خرجت للتظاهر ولمعارضة الإخوان المسلمين في الإتحادية وغيرها من ميادين التظاهر في المحافظات المصرية كافة.
يستطيع المتأمل لهذا التحليل وللأسباب المذكورة أعلاه, وبعد الأخد بمبدأ المقارنة مع القياس, يستطيع أن يخلص لنتيجة واحدة لا أكف عن ترديدها في الأيام الأخيرة, أنه بالرغم من سوداوية المشهد ودمويته يوم الأربعاء الماضي أمام قصر الإتحادية, إلا أنني شديدة الإقتناع بأن مصر بخير, وأن تجربة حركة حماس في غزة لا يمكن لها أن تتكرر في مصر مهما حدث, طالما بقيت الجموع المصرية حاشدة في الشوارع وبحركة المعارضة القوية, وبالحالة الثورية اليقظة لكل محاولة استحواذ أو استقواء يمارسها الحزب الحاكم وأنصاره اليوم في مصر. أطمئنوا يا أعزائي, مصر ليست غزة.
سها عمر
كاتبة من غزة
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق